سورة الكهف ومنهج التزكية (١٣) فلعلك باخع نفسك

 سورة الكهف ومنهج التزكية (١٣)
فلعلك باخع نفسك

 
الحمد لله الذي أرسل الرياح لواقح، وجعل للخير من عباده مفاتح..
والصلاة والسلام على نبينا محمد ما هبت النسائم أو سكنت البوارح..
وبعد؛

فهذه وقفة مع قوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا(٦) [الكهف: ٦] - وما في الآية من مراقى التزكية:

۞ المعنى العام للآية:

 تمثل الآية حَالَ الرَّسُول  فِي شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى اتِّبَاعِ قَوْمِهِ لَهُ وَفِي غَمِّهِ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ، وَتَمْثِيلَ حَالِهِمْ فِي النُّفُورِ وَالْإِعْرَاضِ  بِحَالِ مَنْ فَارَقَهُ أَهْلُهُ وَأَحِبَّتُهُ فَهُوَ يَرَى آثَارَ دِيَارِهِمْ وَيَحْزَنُ لِفِرَاقِهِمْ.

قال الشيخ السعدي في تيسير الكريم الرحمن:

ولما كان النبي  حريصا على هداية الخلق، ساعيا في ذلك أعظم السعي، فكان  يفرح ويسر بهداية المهتدين، ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين، شفقة منه  عليهم، ورحمة بهم، أرشده الله أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء، الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قال في الآية الأخرى: ﴿لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين، وقال: ﴿فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وهنا قال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أي: مهلكها، غما وأسفا عليهم، وذلك أن أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم، ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا، فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم، ليس فيه فائدة لك. وفي هذه الآية ونحوها عبرة، فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله، عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فيها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف، فإن ذلك مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه إليه، وما عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي  يقول الله له: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وموسى عليه السلام يقول: ﴿رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِي، فمن عداهم من باب أولى وأحرى، قال تعالى: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ(٢١) لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ(٢٢). –انتهى-
 
ثم إن الآية القيمة تشير إلى فضل النَّبِىّ ، وترشد إلى خُلُقٍ زَكِىٍّ، وهَدْىٍ سَنِىٍّ، ورُكْنٍ عَقَدِىٍّ.. 

۞ فَضْلُ النَّبِىّ :  
لا خفاء أن الله أرسل رسوله  لإبلاغ رسالته، ودعوة خلقه؛ إذ أنها وظيفة المرسلين، ولكن العجب أن الله الذي أرسله هو الذي يسليه ويأمره أن يرفق بنفسه في البلاغ عنه سبحانه..
وفي هذا إشارة إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد بلغ مبلغا في بلاغه فاق به حد الوفاء بما كلف به، فإن كان الله قد أثنى على خليله بقوله: ﴿وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ٣٧؛ ففي هذه الآية ثناء على نبينا محمد  بأنه فاق حد الوفاء، وبذل في دعوته ما فوق التمام حتى سلاه ربه رأفة منه به، وحنانا منه عليه .
 
۞ خُلُقٌ زَكِىٌّ:

وفي الآية بيان فضيلة خلق المواساة والحض عليها، فأحب الخلق إلى الله سبحانه من اتصف بمقتضيات صفاته.

قال الإمام ابن القيم –رحمه الله تعالى- في الوابل الصيب:

فهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء، وإنما يرحم من عباده الرحماء، وهو ستير يحب من يستر على عباده، وعفو يحب من يعفو عنهم، وغفور يحب من يغفر لهم، ولطيف يحب اللطيف من عباده، ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ(الأكول كثير اللحم، جافي القلب، المختال في مشيته)، ورفيق يحب الرفق، وحليم يحب الحلم، وبر يحب البر وأهله، وعدل يحب العدل، وقابل المعاذير يحب من يقبل معاذير عباده، ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجوداً وعدماً، فمن عفا عفا عنه ومن غفر غفر له ومن سامح سامحه ومن حاقق حاققه، ومن رفق بعباده رفق به، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن صفح عنهم صفح عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق شاق الله تعالى به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة.
فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه، ولهذا جاء في الحديث «من ستر مسلماً ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله تعالى حسابه، ومن أقال نادماً أقال الله تعالى عثرته، ومن أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله تعالى في ظل عرشه» لأنه لما جعله في ظل الإنظار والصبر، ونجاه من حر المطالبة، وحرارة تكلف الأداء مع عسرته وعجزه: نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش.
وكذلك الحديث الذي في الترمذي وغيره عن النبي ﷺ أنه قال في خطبته يوماً «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته» ، فكما تدين تدان، وكن كيف شئت فإن الله تعالى لك كما تكون أنت لعباده.
 
ويقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في كتاب الفوائد: 

المواساة للمؤمنين أنواع:
الأوّل: مواساة بالمال.
الثّاني: مواساة بالجاه.
الثّالث: مواساة بالبدن والخدمة.
الرّابع: مواساة بالنّصيحة والإرشاد.
الخامس: مواساة بالدّعاء والاستغفار لهم.
السّادس: مواساة بالتّوجّع لهم.
قال: وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلّما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلّما قوي قويت، وكان رسول الله B أعظم النّاس مواساة لأصحابه بذلك، فلأتباعه من المواساة بحسب اتّباعهم له.
 ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد، وقد تجرّد وهو ينتفض، فقالوا: ما هذا يا أبا نصر؟
فقال: ذكرت الفقراء وبردهم، وليس لي ما أواسيهم، فأحببت أن أواسيهم في بردهم.
وهذا النّوع الأخير الّذي يعني المشاركة إنّما يرمي إلى جبر خاطر المحتاجين عندما يتعذّر القيام بسدّ هذه الحاجة، وفي هذا ما يعينهم على الرّضا الصّبر وتحمّل المشاقّ.
 
۞ هَدْىٌ سَنِىٌّ:

وفي الآية بيان شفقته B على أمته، ومبالغته  في بذل الجهد رجاء نجاتهم.
قال المناويّ: الشّفقة: صرف الهمّة إلى إزالة المكروه عن النّاس.
وقد بوب الإمام مسلم في صحيحه: بَابُ شَفَقَتِهِ  عَلَى أُمَّتِهِ وَمُبَالَغَتِهِ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ، وفيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ»
[(بحجزكم) الحجز جمع حجزة وهي مقعد الإزار والسراويل (تقحمون) التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبيت]
وفي رواية في الباب: «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا»

قال الإمام النووي –رحمه الله تعالى-: وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ  شَبَّهَ تَسَاقُطَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ في نار الآخرة وَحِرْصِهِمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ مَعَ مَنْعِهِ إِيَّاهُمْ وَقَبْضِهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ بِتَسَاقُطِ الْفَرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا لِهَوَاهُ وَضَعْفِ تَمْيِيزِهِ، وَكِلَاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ، سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ –رحمه الله تعالى-: تَحْقِيقُ التَّشْبِيهِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ حُدُودَ اللَّهِ مَحَارِمُهُ وَنَوَاهِيهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ».

وَرَأْسُ الْمَحَارِمِ حُبُّ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَاسْتِيفَاءُ لَذَّتِهَا وَشَهَوَاتِهَا؛ فَشَبَّهَ  إِظْهَارَ تِلْكَ الْحُدُودِ بِبَيَانَاتِهِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِاسْتِنْقَاذِ الرِّجَالِ مِنَ النَّارِ، وَشَبَّهَ فُشُوَّ ذَلِكَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِإِضَاءَةِ تِلْكَ النَّارِ مَا حَوْلَ الْمُسْتَوْقَدِ، وَشَبَّهَ النَّاسَ وَعَدَمَ مُبَالَاتِهِمْ بِذَلِكَ الْبَيَانِ وَالْكَشْفِ وَتَعَدِّيَهُمْ حُدُودَ اللَّهِ وَحِرْصَهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ تِلْكَ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَمَنْعَهُ إِيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَخْذِ حُجَزِهِمْ بِالْفَرَاشِ الَّتِي تَقْتَحِمْنَ فِي النَّارِ وَتَغْلِبْنَ الْمُسْتَوْقِدَ عَلَى دَفْعِهِنَّ عَنْ الِاقْتِحَامِ؛ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَوْقِدَ كَانَ غَرَضُهُ مِنْ فِعْلِهِ انْتِفَاعَ الْخَلْقِ بِهِ مِنَ الِاسْتِضَاءَةِ وَالِاسْتِدْفَاءِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَالْفَرَاشُ لِجَهْلِهَا جَعَلَتْهُ سَبَبًا لِهَلَاكِهَا، فَكَذَلِكَ كَانَ الْقَصْدُ بِتِلْكَ الْبَيَانَاتِ اهْتِدَاءَ الْأُمَّةِ وَاجْتِنَابَهَا مَا هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ جَعَلُوهَا مُقْتَضِيَةً لِتَرَدِّيهِمْ، وَفِي قَوْلِهِ ﷺ (آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ) اسْتِعَارَةٌ مِثْلُ حَالَةِ مَنْعِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْهَلَاكِ بِحَالَةِ رَجُلٍ أَخَذَ بِحُجْزَةِ صَاحِبِهِ الَّذِي يَكَادُ يَهْوِي فِي مَهْوَاةِ مهلكة.

قال القاشاني: إن الشفقة على خلق الله والرحمة عليهم من لوازم محبة الله ونتائجه، ولما كان  حبيب الله، ومن لوازم محبوبيته محبته لله لقوله ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾، وكلما كانت محبته للحق أقوى، كانت شفقته ورحمته على خلقه أكثر؛ لكون الشفقة عليهم ظل محبته لله، وأشد تعطفه عليهم، فإنهم كأولاده وأقاربه؛ بل كأعضائه وجوارحه في الشهود الحقيقيّ؛ فلذلك بالغ في التأسف عليهم، حتى كاد يهلك نفسه.
 
۞ رُكْنٌ عَقَدِىٌّ:

وفي الآية هداية إيمانية وتزكية عقدية تزكو بالعبد ليخرج من ظلمة الاعتماد على الأسباب لنور التفويض لمسببها سبحانه، وليرسخ في فؤاده أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن... وليؤمن أن سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار.. ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ(١١١) [الأنعام: ١١١]...﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ  مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ  سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(٦٨) [القصص: ٦٨]
فالإيمان بالقدر هو جنة التسليم، وروضة الرضا عن الله جل جلاله؛ فلا تأس على ما فات، ولا تفرح بالآت ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: ١١]
فمشيئة الله سابقة لكل شىء، ولا تستند هى إلى شىء ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(٢٣) [الأنبياء: ٢٣].
 
فاللهم إنا نسألك بأن لك الحمد وبالصلاة والسلام على أشرف الخلق
أن ترزقنا علم الكتاب والعمل بالكتاب ومحبة الكتاب
وأن تمسكنا بكتابك حتى نلقاك به
وصل اللهم وسلم وبارك على المشرف بختم التنزيل
والحمد لله رب العالمين
 

Comments

Popular posts from this blog

مقاسات الورق للطباعة الأوفست والديجيتال Paper Sizes